السبت، 19 مارس 2011

الواقع العربي وإصلاح.. الإصلاح

الواقع العربي وإصلاح.. الإصلاح
الصادق بنعلال
باحث في قضايا الفكر و السياسة
شهدت الساحة السياسية العربية قبل و أثناء هذه الثورات و الانتفاضات الشعبية الصاخبة و الشجاعة ، اهتماما بالغا بموضوع الإصلاح الذي طالما تبوأ الصدارة ضمن انشغالات المعنيين بشأن الأمة العربية منذ مستهل القرن العشرين . و ما من شك في أن الحديث الهادف و الجاد عن الإصلاح ظاهرة صحية في أي إطار زمكاني مخصوص ، شريطة أن ينطلق ذلك من مقاربة علمية و عقلانية مسؤولة ، تروم استقراء فصول و أصول مواطن الضعف العربي و اجتراح حلول إجرائية قمينة بالمساهمة في التقليل من هذا الهوان العربي المبين ، خاصة و أن الفشل الذي يسم الأقطار العربية برمتها هيكلي .و هكذا يمكن القول دون أية مبالغة أو مزايدة في الكلام إن الزلزال الذي يضرب العالم العربي من الماء إلى الماء ، هو نتيجة حتمية لسلسلة من الانتكاسات و المسلكيات السياسوية الفجة ، و الممارسات الفردية و التسلطية لأصحاب القرار من قبيل الاستفراد بالقرارات المصيرية و الحيوية في السلم و الحرب ، و تفضيل مصلحة الأسرة أو المحيط الحاكم على مصلحة الشعب قاطبة ، و تعليق كل المواثيق و القيم الإنسانية و القوانين الدولية ، و تجريد المواطن العربي من حقوقه السياسية و المدنية و الاجتماعية و الثقافية .. و الاستبداد الذي كان و مافتئ يشكل ديدن الحكام العرب في الغالب الأعم .
و الواقع أنه إذا كانت الثورتان التونسية و المصرية قد أطاحتا بزعيمين اشتهرا بالقمع الممنهج و إحصاء النفوس و نهب المال العام .. و إذا كان الشعب الليبي العظيم يواجه بأدوات بسيطة الآلة العسكرية الجهنية للعقيد الأهوج ، و تمكن من السيطرة على أغلب المناطق الليبية الاستراتيجية : مدينة مدينة و " زنكة زنكة ": حسب تعبيرالقائد الدموي ، فإن ذلك يعني من جملة ما يعني أن الشعب العربي الذي كدنا نشك في قواه العقلية و النفسية و الوطنية و القومية ، كان في الموعد و أزال عن كينونته تلك الصورة المفبركة الزاعمة أن الشارع العربي لم يبق له أي وجود أو إحساس بالحياة و العزة و الأنفة ، و الحال أنه كان سنين عددا تحت سطوة " الحاكمين بأمر الله " . و لما دقت ساعة الحقيقة قلب الطاولة و انتفض مثلما لم ينتفض مثله شعب آخر مذكرا بشاعر العروبة الأبدي
" أبو الطيب المتنبي " :
و إذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تكون جبانا
بيد أن الإصلاح الذي نحن بصدد الحديث عنه لا يمكن أن ينحصر في مجرد إسقاط طاغية من سدة الحكم ، و إدخال بعض التغييرات الجزئية لنعود للسباحة في نفس المياه الملوثة ، و إلا لماذا هذه التضحيات الجسام و القرابين الزكية و الدماء التي تسيل دون توقف ؟
إن الإصلاح الذي يستدعيه الراهن العربي هو التفكير العميق و التخطيط المعقلن لما سيكون عليه الوضع بعد إزالة الأنظمة الفاشلة ، حتى نودع و إلى الأبد تلك الأشكال من الحكامة غير الحكيمة الموغلة في الاستكبار و التجبر و الفساد بكل ألوان الطيف . كيف ذلك ؟ أن ينضوي المثقفون العضويون و أصحاب الضمائر الحية في كل الأقطار العربية و رجال السياسة بحصر المعنى ، من أجل هدف موحد : مأسسة الحياة العامة و طي صفحة الشخصنة و التعاطي الشعبوي و الديماغوجي مع قضايا المجتمع المصيرية ، و الصياغة التشاركية لدستور حداثي يستلهم لحمة و سدى المواثيق و القوانين المتعارف عليها دوليا ، والعمل من أجل أن تكون هناك أحزاب و هياكل سياسية فاعلة و قادرة على تأطير المواطنين و تمثيلهم و اقتراح برامج مجتمعية واعدة و قابلة للتنفيذ و الأجرأة ، و تلبي تطلعات المناضلين و المناضلات نحو عيش كريم و تنمية إنسانية شاملة و مستدامة ، و فصل لا لبس فيه بين السلط و حكومة منفذة و مسؤولة أمام ممثلي الأمة ، و إحداث تغيير جذري في النسق الإعلامي لمجاراة الإيقاع الرقمي الذي تشهده ثورة المعلوميات و تكنولوجيا التواصل ، حيث المنافسة في الحصول على المعلومة و تقديمها بالشكل المناسب و بالصوت و الصورة عالية الجودة في اللحظة المناسبة بعيدأ عن لغة الخشب و النزعة الإنشائية البائدة . أملنا ألا تذهب تضحيات الشباب العربي الجسيمة هذرا ، و أن تكلل بإصلاح محرقي و بناء يدخل بنا إلى نادي الدول الديمقراطية بالمعنى النبيل و الأعمق للكلمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون