السبيل 3/3/2011
الرؤيا من أمريكا اللاتينية أكثر وضوحاً، ولذلك لم ينجر ذلك المقاتل العتيق فيديل كاسترو، ولا أوغو شافيز، قائد نهضة أمريكا اللاتينية المعاصرة ضد “الإمبراطورية”، كما يحلو لشافيز أن يسمي الولايات المتحدة، إلى جريمة دعم التدخل الإمبريالي الأمريكي والأوروبي في ليبيا تحت عناوين مثل “حقوق الإنسان” و”الديموقراطية” وما شابه. فيسارية كاسترو وشافيز – ودانييل أورتيغا في نيكاراغوا -، المناهضة للإمبريالية، لم تتلوث بعد بتلك النزعات الليبرالية المتغربة التي لوثت الكثير من اليسار العربي وغير العربي. فالأساس عندهم يبقى مناهضة الهيمنة الإمبريالية، وهم خير من يخبرك عن التدخل الإمبريالي.. ولا يستطيع أحد أن يزعم أن شافيز، الجالس على ثروة نفطية هائلة، يريد نفطاً أو مالاً من القذافي..
اعترف أنني كنت ممن كادوا ينزلقون إلى تأييد “الانتفاضة الشعبية” في ليبيا باعتبارها استمراراً لانتفاضتي تونس ومصر ضد الفساد والاستبداد، وباعتبار نظام القذافي كان قد جنح منذ أمدٍ نحو الأفرقة بديلاً للعروبة، وباعتباره يروج للتخلي عن عروبة فلسطين تحت عنوان مشبوه هو “إسراطين”، أي الدولة ثنائية القومية، وباعتباره تخلى منذ أمد عن مقارعة الطرف الأمريكي-الصهيوني مباشرةً كما كان يفعل من قبل، وأنه روج لانفصال جنوب السودان، ألخ… وفي النهاية، لا يعود ثمة داعي للتغاضي عن التجاوزات الداخلية إذا دخل الحكم أو النظام في حالة تفاهم أو تعايش مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، ولو لم يصبح تابعاً له تماماً أو عميلاً بالمعنى الحرفي للكلمة الذي تمارسه أنظمة عربية أخرى.
لكن شيئاً ما دفعني، كما دفع غيري، للتريث ريثما تتبين على الملأ هوية القائمين على “الانتفاضة الشعبية” المزعومة في ليبيا.. فمهما كان موقفك من القذافي وشطحاته، وكل ما تريد أن تقوله عنه، فإنك لا تستطيع على الإطلاق أن تضعه في نفس الكفة مع حسني مبارك وزين العابدين بن علي. فالأخيران عميلان صريحان للإمبريالية، وأي بديل لهما لن يكون أسوأ منهما بالنسبة للتبعية للطرف الأمريكي-الصهيوني. أما القذافي، فقل عنه ما تشاء، فإنك لا تستطيع أن تقارنه بهما. قل أنه ديكتاتور أو غريب الأطوار لو شئت، فإنك لا تستطيع أن تنكر أنه: 1) أبقى النفط الليبي وعوائده خارج السيطرة المباشرة للإمبريالية العالمية، إلا على شكل أتاوات، كما في حالة تعويضات لوكربي مثلاً، 2) أنه شكل مشكلة للولايات المتحدة وفرنسا في أفريقيا، 3) أنه اختط لنفسه طريقاً مختلفاً للحكم، مهما قلت عنه، سلباً أو إيجاباً، أبقى ليبيا وأسواقها وموقعها الجغرافي السياسي خارج الهيمنة المباشرة لقوى العولمة.
ولذلك، كان يجب أن نتأكد أن بديل القذافي سيكون على الأقل أقل مهادنة، وأكثر ممانعةً، للإمبريالية منه… وفي النهاية فإن ثوراتنا ليست ثورات ملونة، بل هي ليست شيئاً إن لم تكن مناهضة للطرف الأمريكي-الصهيوني، وهذا المقياس يجب أن يسمو فوق أي اعتبار أخر، وهذا هو الفرق الرئيسي ما بين ثوراتنا من جهة، وثورات أوروبا الشرقية وسقوط حائط برلين مما سمح بتمدد حلف الناتو شرقاً. وقد علمتنا تجربة العراق أن معظم من يثيرون الغبار حول مسائل حقوق الإنسان في وجه الأنظمة الممانعة أو الوطنية إما مرتبطون بقوى الهيمنة الخارجية، أو تحركهم حسابات صغيرة جداً، مثل الحسابات الطائفية، وارى أن إثارة قضية موسى الصدر في وجه القذافي الآن تسهم للأسف بتكميم أفواه الشيعة العرب عن الاحتجاج على التدخل الإمبريالي في ليبيا، وهو أمر مستهجن ممن يزعم أنه يناهض الإمبريالية والصهيونية.
وفي خضم لحظات الانتظار والترقب، لاح العلم السنوسي، ومعه عهد الحكم الملكي التابع للغرب قبل عام 1969، فانقبض القلب. وقد أرسل صديقاً لي مقالةً ظهرت في صحيفة المانيفستو الإيطالية في 26/2/2011 بعنوان: “ليبيا: عندما تنمحي الذاكرة التاريخية – في الميدان، أعلام الملك إدريس تلوح”. وكان مما جاء في تلك المقالة: “إن علم الملك إدريس (السنوسي)، الذي يرفرف من جديد الآن في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، هو راية أولئك الذين، من خلال تلاعبهم بنضالات من يقاتلون بأصالة من أجل الديموقراطية ضد نظام القذافي، يخططون لإعادة ليبيا تحت سيطرة تلك القوى التي هيمنت عليها يوماً ما. وها هي تلك القوى، تحت قيادة الولايات المتحدة، تستعد لتنزل في ليبيا تحت غطاء “حفظ السلام” “.
وبالفعل، بعد أن أحجمت القوى الإمبريالية عن إبداء مشاعرها الحقيقية في المراحل الأولى ل”الانتفاضة الشعبية” في ليبيا، خوفاً من طردها وقطع دابر استثماراتها في النفط وغيره، فإنها كشرت عن أنيابها بشكل مسعور لم نرَ مثله في حالتي بن علي ومبارك، إذا كانت القضية قضية حرص على الديموقراطية وحقوق الإنسان فعلاً… ونذكر هنا بالدعوات الأمريكية لانتقال “سلمي ومنظم” للسلطة في مصر وتونس، مقابل التحريض السافر الآن ضد ليبيا.
وعلى من يصفق بهبل أو استهبال للتدخل الدولي والوصاية الدولية في ليبيا أن يتذكر من تجربة العراق أن تلك لا ترفع مع مجيء الاحتلال، وأن المحكمة الجنائية الدولية عدو أسهم بتفكيك السودان، وأن الحظر الجوي أسهم بتفكيك العراق إلى شمال وجنوب ووسط، وأن مجلس الأمن يتجه نحو فرض الوصاية على ليبيا وثرواتها الطبيعية، مما يذكرنا بقوة بصندوق “النفط مقابل الغذاء المشؤوم”، وان… وأن… وأن… فالتدخل الدولي مرفوض جملة وتفصيلاً، ولم نرَ من يروج له في ليبيا علناً إلا مطبع سابق يتظاهر الآن أنه وطني، ولذلك فإن اقتراب شبح التدخل الدولي والقوات الأجنبية من ليبيا يفرض على المنتفضين أن يعلنوا موقفاً واضحاً منه أو أن يتم اتخاذ موقفٍ واضحٍ وحاسمٍ منهم. أما حين تعلن الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها كلينتون أنها على اتصال مع القوى التي انفصلت عن نظام القذافي، فإن هذا لا يترك مجالاً لدعمهم على الإطلاق. على العكس…
سبق أن ذكرنا العلم السنوسي، وأضيف هنا نقلاً عن صحيفة المانيفستو الإيطالية من المقالة التي سبق ذكرها أعلاه أن “سيدي محمد إدريس المهدي السنوسي تم وضعه على عرش ليبيا من قبل البريطانيين عندما نالت “استقلالها” عام 1951″! وهنا يعلق الصديق الذي أرسل المقالة: إنه لمن المثير للاهتمام والشك بأن الجميع راح يتبنى بإجماع بأن علم الملك إدريس هو “علم الاستقلال”… فمن أين أتى هذا الاسم؟ وعن أي استقلال يتحدثون بالضبط؟ وبناء عليه، هل نعلن بأن علم استقلال العراق هو علم الملك عبدالله ونوري السعيد، وكلاهما كان ألعوبةً بريطانية؟! ولماذا يكون علم الملك إدريس السنوسي علماً محايداً، أو حتى إيجابياً، بينما لا تنال “أعلام استقلال” الأنظمة العميلة الأخرى (التي لم تنل إلا استقلالاً صورياً) مثل ذلك التقدير؟! إن علم “استقلال مصر” هو العلم الأخضر القديم وفيه الهلال والنجمات الثلاث الذي رفعه الملك فاروق وأسلافه، وعلم “استقلال اليمن” هو العلم الأحمر القديم وعليه رسم الخنجر أو الجنبية، وهو علم الإمام. فلماذا لم نرَ المعتصمين في ميدان التحرير في القاهرة يرفعون علم الملك فاروق يا ترى؟!
ويشار إلى أن موقع Global Research المعروف، وهو موقع معارض للإمبريالية ينشر بثماني لغات، قال في تقرير له يوم 1/3/2011 أن السلاح يتم تهريبه من جنوب ليبيا لتعزيز التمرد هناك…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق